روضة الصائم

نفحات إيمانية: العشرة بالمعروف

21 مايو 2019
21 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- شروطًا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين ومن هذه الحقوق المشتركة حق العشرة بالمعروف.

يقول الدكتور محمد بن محمد الشنقيطي في كتابه «فقه الأسرة» فأما حق العشرة بالمعروف، فإنه لا سعادة للمسلمين ولا طمأنينة لهم في بيوتهم إلا إذا قامت على العشرة بالمعروف، وهذا الحق أمر الله عز وجل به؛ لما فيه من صلاح أمر الزوج والزوجة، ولما فيه من السعادة لهما، وهو الاختبار الحقيقي للزوج وللزوجة، قال الله في كتابه المبين: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19] وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ولذلك قال العلماء: المعاشرة بالمعروف حقٌ واجب، يأثم تاركه، ويثاب فاعله، وقال الله عز وجل: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق:2] والمعاشرة بالمعروف، تستلزم أمورًا لا بد منها، وهذه الأمور تكون في قلب الإنسان، فيما بينه وبين الله، وتكون في قوله وكلماته وما يصدر منه من عباراته، وتكون منه في تصرفاته وأفعاله، فهناك جوانب للمعاشرة بالمعروف.

الأول - وهو أهمها-: النية الصالحة، فلن يستطيع الرجل أن يعاشر امرأته بالمعروف ولن تستطيع المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف إلا إذا غيّب كلٌ منهما نية صالحة، وهذا هو الذي عناه الله عز وجل بقوله: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة:231]، فإذا أراد الإنسان أن يُمسك زوجه، فلتكن نيته صالحةً تجاهها، ولذلك قال العلماء: ما غيّب الإنسان في سريرته وقلبه أمرًا -خيرًا كان أو شرًا- إلا أظهره الله في فلتات لسانه، فالذي ينوي الخير لامرأته ويتزوج المرأة أو يردها إلى عصمته وفي قلبه أن يحسن وأن يكرم وأن يعاشر بمعروف وفّقه الله وسدده، قال تعالى: (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا) [الأنفال:70]، فالله إذا اطّلع على قلب الرجل واطّلع على قلب المرأة ووجد كلاً منهما يبيّت النية الصالحة وفّق الله كلاً منهما في ظاهره وتصرفاته وأفعاله، لكي يكون منه الخير، فأول ما يوصى به من أراد أن يعاشر بالمعروف: النية الصالحة، وكان بعض العلماء يقول: ينبغي للزوج أن يجدد نيته كل يوم، حتى يُعظِم الله أجره وثوابه، خاصةً إذا كانت المرأة صالحة، أو كانت ذا حقٍ على الإنسان كقريبته ونحو ذلك، فيُغيِّب في قلبه نية الخير لها، وإذا غيّب الخير أظهره الله في أقواله وأفعاله، وهكذا المرأة تغيب في قلبها نية الخير للزوج، وما إن تتغير هذه النية حتى يغير الله ما بالزوجين (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11] ، فإذا غيّر الزوج أو الزوجة نيتهما غير الله حالهما من الخير إلى الشر، ومن الحسن إلى الأسوأ، ولذلك كل من أصابته مصيبة بينه وبين أهله فلينظر إلى نيته وقلبه، فالأصل في العشرة بالمعروف أنه ينبعث من نية صالحة، ومن نيةٍ طيبةٍ ومن قلبٍ يغيّب الخير حتى تظهر الآثار على الجوارح، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) يقصد بها القلب.

الأمر الثاني للعشرة بالمعروف: قول الخير، فكما أن الإنسان ينبغي أن يغيّب في قلبه النية الطيبة حتى يعاشر بالمعروف ينبغي أن يكون قوله موافقًا لمرضاة الله عز وجل، قال بعض العلماء: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء:19] المعروف: كل ما وافق شرع الله عز وجل، والمنكر: كل ما خالف شرع الله، فإذا أراد أن يعاشر زوجته بالمعروف، فعليه أن يتقي الله فيما يقول، وكذلك على المرأة أن تتقي الله فيما تقول، والأصل الذي قرره كتاب الله وقررته سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه ينبغي على كل مؤمنٍ ومؤمنة أن يحفظ لسانه، وأن يقول الخير، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت)، فمن دلائل الإيمان بالله عزَّ وجل حفظ اللسان، واستقامة اللسان حينما يخاطب الناس على العموم وحينما يخاطب الأهل على الخصوص، والله تعالى أوصى المؤمنين -أوصى من قبلنا، ووصيته لمن قبلنا وصيةٌ لنا- فقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83] فأمرنا إذا تكلمنا وإذا نطقنا أن نقول الحسن الذي يرضيه سبحانه؛ لأن القول الحسن يُحسن إلى صاحبه في الدنيا والآخرة، والقول السيئ يسيء إلى صاحبه في الدنيا والآخرة.

جاء في كتاب «سبل الوفاق إلى أحكام الزواج والطلاق» للدكتور صلاح محمد سالم: لم تكرم شريعة المرأة كما أكرمها الإسلام؛ إذ اعتنى بتربيتها صغيرة، وبحسن معاملتها وملاطفتها كبيرة، فبنى الحياة الزوجية على الوفاق والالتئام بين الزوجين، قال - جل جلاله -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) {سورة الروم}.

فالمرأة تنظر إلى الرجل نظرة إعظام وإكبار ولا تعامله بما ينتقصه، ولا يجوز أن يكون مهر المرأة خدمة الزوج لها لما في ذلك من إذلاله، وكذلك نصّ الفقهاءُ على كراهة أن تنادي الزوجةُ زوجها باسمه، بل عليها أن تناديه بكنيته لما فيه من تعظيمه.

والرجل ينظر إلى المرأة نظرة إشفاق ورحمة ومودة ورأفة، فيحسن تعاملها بنتًا وأختًا وأمًا وزوجةً قال الله - عز وجل -: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فالمعاشرة بالمعروف تشمل جميع مناحي الحياة سواء كانت بمراعاة المشاعر أو بلين القول والتودد لها أو بالقيام بواجبها الشرعي من الإنفاق عليها مأكلا ومشربًا وملبسًا وسكنةً وغيرها. وبهذه النظرة تتوافق الحياة البشرية وتنتظم المصالح بين الزوجين، فهي تلتئم مع طبيعة كلّ منهما وحاله بخلاف نظرة غيرنا التي تقوم على الندّية، فكلّ من الرجل والمرأة ندّ للآخر، وينازع صاحبه لتحقيق شخصه، وهذا على ما فيه من خروج عن فطرة كلٍّ منهما، فإن مبنى الحياة فيه على الشقاق والنِّزاع، ويترتب عليه عسرة شديدة في المعيشة.

وكلما راعى كل من الزوجين الآخر في هذه الحقوق المشتركة رفرفت السعادة والطمأنينة على الأسرة ونعمت بالسكينة والهدوء وصارت قوية في مواجهة أعاصير الحياة.